وَفِي تِلْكَ الأَثْنَاءِ، إِذِ احْتَشَدَ عَشَرَاتُ الأُلُوفِ مِنَ الشَّعْبِ حَتَّى دَاسَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، أَخَذَ يَقُولُ لِتَلامِيذِهِ أَوَّلاً: «احْذَرُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ الَّذِي هُوَ النِّفَاقُ! | ١ |
فَمَا مِنْ مَسْتُورٍ لَنْ يُكْشَفَ، وَلا مِنْ سِرٍّ لَنْ يُعْرَفَ. | ٢ |
لِذَلِكَ كُلُّ مَا قُلْتُمُوهُ فِي الظَّلامِ سَوْفَ يُسْمَعُ فِي النُّورِ، وَمَا تَحَدَّثْتُمْ بِهِ هَمْساً فِي الْغُرَفِ الدَّاخِلِيَّةِ سَوْفَ يُذَاعُ عَلَى سُطُوحِ الْبُيُوتِ. | ٣ |
عَلَى أَنِّي أَقُولُ لَكُمْ يَا أَحِبَّائِي: لَا تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ ثُمَّ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَفْعَلُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ. | ٤ |
وَلكِنِّي أُرِيكُمْ مِمَّنْ تَخَافُونَ: خَافُوا مِنَ الْقَادِرِ أَنْ يُلْقِيَ فِي جَهَنَّمَ بَعْدَ الْقَتْلِ. نَعَمْ، أَقُولُ لَكُمْ، مِنْ هَذَا خَافُوا! (Geenna g1067) | ٥ |
أَمَا تُبَاعُ خَمْسَةُ عَصَافِيرَ بِفَلْسَيْنِ؟ وَمَعَ ذلِكَ لَا يَنْسَى اللهُ وَاحِداً مِنْهَا. | ٦ |
بَلْ إِنَّ شَعْرَ رُؤُوسِكُمْ كُلَّهُ مَعْدُودٌ. فَلا تَخَافُوا إِذَنْ، أَنْتُمْ أَفْضَلُ مِنْ عَصَافِيرَ كَثِيرَةٍ! | ٧ |
وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِي أَمَامَ النَّاسِ، يَعْتَرِفُ بِهِ ابْنُ الإِنْسَانِ أَيْضاً أَمَامَ مَلائِكَةِ اللهِ. | ٨ |
وَمَنْ أَنْكَرَنِي أَمَامَ النَّاسِ، يُنْكَرْ أَمَامَ مَلائِكَةِ اللهِ. | ٩ |
وَمَنْ قَالَ كَلِمَةً بِحَقِّ ابْنِ الإِنْسَانِ، يُغْفَرُ لَهُ. وَأَمَّا مَنْ ازْدَرَى بِالرُّوحِ الْقُدُسِ، فَلَنْ يُغْفَرَ لَهُ! | ١٠ |
وَعِنْدَمَا يُؤْتَى بِكُمْ لِلْمُثُولِ أَمَامَ الْمَجَامِعِ وَالْحُكَّامِ وَالسُّلْطَاتِ، فَلا تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَوْ بِمَاذَا تَرُدُّونَ، وَلا بِمَا تَقُولُونَ! | ١١ |
فَإِنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ سَيُلَقِّنُكُمْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ عَيْنِهَا مَا يَجِبُ أَنْ تَقُولُوا». | ١٢ |
وَقَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ بَيْنِ الْجَمْعِ: «يَا مُعَلِّمُ، قُلْ لأَخِي أَنْ يُقَاسِمَنِي الإِرْثَ!» | ١٣ |
وَلكِنَّهُ قَالَ لَهُ: «يَا إِنْسَانُ، مَنْ أَقَامَنِي عَلَيْكُمَا قَاضِياً أَوْ مُقَسِّماً؟» | ١٤ |
وَقَالَ لِلْجَمْعِ: «احْذَرُوا وَتَحَفَّظُوا مِنَ الطَّمَعِ. فَمَتَى كَانَ الإِنْسَانُ فِي سِعَةٍ، لَا تَكُنْ حَيَاتُهُ فِي أَمْوَالِهِ». | ١٥ |
وَضَرَبَ لَهُمْ مَثَلاً، قَالَ «إِنْسَانٌ غَنِيٌّ أَنْتَجَتْ لَهُ أَرْضُهُ مَحَاصِيلَ وَافِرَةً. | ١٦ |
فَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ قَائِلاً: مَاذَا أَعْمَلُ وَلَيْسَ عِنْدِي مَكَانٌ أَخْزِنُ فِيهِ مَحَاصِيلِي؟ | ١٧ |
وَقَالَ: أَعْمَلُ هَذَا: أَهْدِمُ مَخَازِنِي وَأَبْنِي أَعْظَمَ مِنْهَا، وَهُنَاكَ أَخْزِنُ جَمِيعَ غِلَالِي وَخَيْرَاتِي. | ١٨ |
وَأَقُولُ لِنَفْسِي: يَا نَفْسُ، عِنْدَكِ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ مَخْزُونَةٌ لِسِنِينَ عَدِيدَةٍ، فَاسْتَرِيحِي وَكُلِي وَاشْرَبِي وَافْرَحِي! | ١٩ |
وَلكِنَّ اللهَ قَالَ لَهُ: يَا غَبِيُّ، هذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ، فَلِمَنْ يَبْقَى مَا أَعْدَدْتَهُ؟ | ٢٠ |
هَذِهِ هِيَ حَالَةُ مَنْ يَخْزِنُ الْكُنُوزَ لِنَفْسِهِ وَلا يَكُونُ غَنِيًّا عِنْدَ اللهِ!» | ٢١ |
ثُمَّ قَالَ لِتَلامِيذِهِ: «لِهَذَا السَّبَبِ أَقُولُ لَكُمْ: لَا تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ، وَلا لأَجْسَادِكُمْ بِمَا تَكْتَسُونَ. | ٢٢ |
إِنَّ الْحَيَاةَ أَكْثَرُ مِنْ مُجَرَّدِ طَعَامٍ، وَالْجَسَدَ أَكْثَرُ مِنْ مُجَرَّدِ كِسَاءٍ. | ٢٣ |
تَأَمَّلُوا الْغِرْبَانَ! فَهِيَ لَا تَزْرَعُ وَلا تَحْصُدُ، وَلَيْسَ عِنْدَهَا مَخْزَنٌ وَلا مُسْتَوْدَعٌ، بَلْ يَعُولُهَا اللهُ. فَكَمْ أَنْتُمْ أَفْضَلُ كَثِيراً مِنَ الطُّيُورِ. | ٢٤ |
وَلكِنْ، أَيٌّ مِنْكُمْ، إِذَا اهْتَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يُطِيلَ عُمْرَهُ وَلَوْ سَاعَةً وَاحِدَةً؟ | ٢٥ |
فَمَادُمْتُمْ غَيْرَ قَادِرِينَ وَلَوْ عَلَى أَصْغَرِ الأُمُورِ، فَلِمَاذَا تَهْتَمُّونَ بِالأُمُورِ الأُخْرَى؟ | ٢٦ |
تَأَمَّلُوا الزَّنَابِقَ كَيْفَ تَنْمُو! فَهِيَ لَا تَتْعَبُ وَلا تَغْزِلُ، وَلكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: حَتَّى سُلَيْمَانُ فِي قِمَّةِ مَجْدِهِ لَمْ يَكْتَسِ مَا يُعَادِلُ وَاحِدَةً مِنْهَا بَهَاءً؟ | ٢٧ |
فَإِنْ كَانَ اللهُ يَكْسُو الْعُشْبَ ثَوْباً كَهَذَا، مَعَ أَنَّهُ يَكُونُ الْيَوْمَ فِي الْحَقْلِ وَغَداً يُطْرَحُ فِي التَّنُّورِ، فَكَمْ أَنْتُمْ أَوْلَى مِنَ الْعُشْبِ (بِأَنْ يَكْسُوَكُمُ اللهُ) يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ؟ | ٢٨ |
فَعَلَيْكُمْ أَنْتُمْ أَلّا تَسْعَوْا إِلَى مَا تَأْكُلُونَ وَتَشْرَبُونَ، وَلا تَكُونُوا قَلِقِينَ. | ٢٩ |
فَهذِهِ الْحَاجَاتُ كُلُّهَا تَسْعَى إِلَيْهَا أُمَمُ الْعَالَمِ، وَأَبُوكُمْ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَيْهَا. | ٣٠ |
إِنَّمَا اسْعَوْا إِلَى مَلَكُوتِهِ، فَتُزَادُ لَكُمْ هذِهِ كُلُّهَا. | ٣١ |
لَا تَخَفْ، أَيُّهَا الْقَطِيعُ الصَّغِيرُ، لأَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ سُرَّ أَنْ يُعْطِيَكُمُ الْمَلَكُوتَ. | ٣٢ |
بِيعُوا مَا تَمْلِكُونَ وَأَعْطُوا صَدَقَةً، وَاجْعَلُوا لَكُمْ أَكْيَاساً لَا تَبْلَى، كَنْزاً فِي السَّمَاوَاتِ لَا يَنْفَدُ، حَيْثُ لَا يَقْتَرِبُ لِصٌّ وَلا يُفْسِدُ سُوسٌ. | ٣٣ |
لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكُمْ، يَكُونُ قَلْبُكُمْ أَيْضاً. | ٣٤ |
لِتَكُنْ أَوْسَاطُكُمْ مَشْدُودَةً بِالأَحْزِمَةِ وَمَصَابِيحُكُمْ مُضَاءَةً، | ٣٥ |
وَكُونُوا مِثْلَ أُنَاسٍ يَنْتَظِرُونَ رُجُوعَ سَيِّدِهِمْ مِنْ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ، حَتَّى إِذَا وَصَلَ وَقَرَعَ الْبَابَ يَفْتَحُونَ لَهُ حَالاً. | ٣٦ |
طُوبَى لأُولئِكَ الْعَبِيدِ الَّذِينَ يَجِدُهُمْ سَيِّدُهُمْ لَدَى عَوْدَتِهِ سَاهِرِينَ. الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَشُدُّ وَسَطَهُ بِالْحِزَامِ وَيَجْعَلُهُمْ يَتَّكِئُونَ وَيَقُومُ يَخْدِمُهُمْ. | ٣٧ |
فَطُوبَى لَهُمْ إِذَا رَجَعَ فِي الرُّبْعِ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ مِنَ اللَّيْلِ وَوَجَدَهُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ. | ٣٨ |
وَلَكِنِ اعْلَمُوا هَذَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ رَبُّ الْبَيْتِ يَعْرِفُ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَدْهَمُهُ اللِّصُّ، لَكَانَ سَهِرَ وَمَا تَرَكَ بَيْتَهُ يُنْقَبُ. | ٣٩ |
فَكُونُوا أَنْتُمْ مُسْتَعِدِّينَ، لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَيَعُودُ فِي سَاعَةٍ لَا تَتَوَقَّعُونَهَا». | ٤٠ |
وَسَأَلَهُ بُطْرُسُ: «يَا رَبُّ، أَلَنَا تَضْرِبُ هَذَا الْمَثَلَ أَمْ لِلْجَمِيعِ عَلَى السَّوَاءِ؟» | ٤١ |
فَقَالَ الرَّبُّ: «مَنْ هُوَ إِذَنِ الْوَكِيلُ الأَمِينُ الْعَاقِلُ الَّذِي يُقِيمُهُ سَيِّدُهُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ لِيُقَدِّمَ لَهُمْ حِصَّتَهُمْ مِنَ الطَّعَامِ فِي حِينِهَا؟ | ٤٢ |
طُوبَى لِذَلِكَ الْعَبْدِ الَّذِي يَجِدُهُ سَيِّدُهُ، لَدَى رُجُوعِهِ، يَقُومُ بِهَذَا الْعَمَلِ. | ٤٣ |
الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يُقِيمُهُ عَلَى جَمِيعِ مُمْتَلَكَاتِهِ. | ٤٤ |
وَلكِنْ إِذَا قَالَ ذَلِكَ الْعَبْدُ فِي نَفْسِهِ: سَيِّدِي سَيَتَأخَّرُ فِي رُجُوعِهِ؛ وَأَخَذَ يَضْرِبُ الْخَادِمِينَ وَالْخَادِمَاتِ وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَسْكَرُ، | ٤٥ |
فَإِنَّ سَيِّدَ ذَلِكَ الْعَبْدِ يَرْجِعُ فِي يَوْمٍ لَا يَتَوَقَّعُهُ وَسَاعَةٍ لَا يَعْرِفُهَا، فَيُمَزِّقُهُ وَيَجْعَلُ مَصِيرَهُ مَعَ الْخَائِنِينَ. | ٤٦ |
وَأَمَّا ذَلِكَ الْعَبْدُ الَّذِي يَعْمَلُ بِإِرَادَةِ سَيِّدِهِ، فَإِنَّهُ سَيُضْرَبُ كَثِيراً. | ٤٧ |
وَلكِنَّ الَّذِي لَا يَعْلَمُهَا وَيَعْمَلُ مَا يَسْتَوْجِبُ الضَّرْبَ، فَإِنَّهُ سَيُضْرَبُ قَلِيلاً. فَكُلُّ مَنْ أُعْطِيَ كَثِيراً، يُطْلَبُ مِنْهُ كَثِيرٌ؛ وَمَنْ أُوْدِعَ كَثِيراً، يُطَالَبُ بِأَكْثَرَ. | ٤٨ |
جِئْتُ لأُلْقِيَ عَلَى الأَرْضِ نَاراً، فَلَكَمْ أَوَدُّ أَنْ تَكُونَ قَدِ اشْتَعَلَتْ؟ | ٤٩ |
وَلكِنَّ لِي مَعْمُودِيَّةَ أَلَمٍ عَلَيَّ أَنْ أَتَعَمَّدَ بِها، وَكَمْ أَنَا مُتَضَايِقٌ حَتَّى تَتِمَّ! | ٥٠ |
أَتَظُنَّونَ أَنِّي جِئْتُ لأُرْسِيَ السَّلامَ عَلَى الأرْضِ؟ أَقُولُ لَكُمْ: لا، بَلْ بِالأَحْرَى الانْقِسَامَ: | ٥١ |
فَإِنَّهُ مُنْذُ الآنَ يَكُونُ فِي الْبَيْتِ الْوَاحِدِ خَمْسَةٌ فَيَنْقَسِمُونَ: ثَلاثَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ، وَاثْنَانِ عَلَى ثَلاثَةٍ | ٥٢ |
فَالأَبُ يَنْقَسِمُ عَلَى ابْنِهِ، وَالابْنُ عَلَى أَبِيهِ، وَالأُمُّ عَلَى بِنْتِهَا، وَالْبِنْتُ عَلَى أُمِّهَا، وَالْحَمَاةُ عَلَى كَنَّتِهَا، وَالْكَنَّةُ عَلَى حَمَاتِهَا!» | ٥٣ |
وَقَالَ أَيْضاً لِلْجُمُوعِ: «عِنْدَمَا تَرَوْنَ سَحَابَةً تَطْلُعُ مِنَ الْغَرْبِ، تَقُولُونَ حَالاً: الْمَطَرُ آتٍ! وَهكَذَا يَكُونُ. | ٥٤ |
وَعِنْدَمَا تَهُبُّ رِيحُ الْجَنُوبِ، تَقُولُونَ: سَيَكُونُ حَرٌّ! وَهكَذَا يَكُونُ. | ٥٥ |
يَا مُنَافِقُونَ! تَعْرِفُونَ أَنْ تُمَيِّزُوا مَنْظَرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، فَكَيْفَ لَا تُمَيِّزُونَ هَذَا الزَّمَانَ؟ | ٥٦ |
وَلِمَاذَا لَا تُمَيِّزُونَ مَا هُوَ حَقٌّ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِكُمْ؟ | ٥٧ |
فَفِيمَا أَنْتَ ذَاهِبٌ مَعَ خَصْمِكَ إِلَى الْمُحَاكَمَةِ، اجْتَهِدْ فِي الطَّرِيقِ لِتَتَصَالَحَ مَعَهُ، لِئَلّا يَجُرَّكَ إِلَى الْقَاضِي، فَيُسَلِّمَكَ الْقَاضِي إِلَى الشُّرَطِيِّ، وَيُلْقِيَكَ الشُّرَطِيُّ فِي السِّجْنِ. | ٥٨ |
أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ لَنْ تَخْرُجَ مِنْ هُنَاكَ حَتَّى تَكُونَ قَدْ وَفَّيْتَ مَا عَلَيْكَ إِلَى آخِرِ فَلْسٍ!» | ٥٩ |